02‏/02‏/2018

من حماة لإدلب وتستمر المجزرة

الثاني من شباط 1982 ، تاريخ كتبه المجرم حافظ الأسد بدماء الأبرياء ليكون درسا اعتباريا، وواعظا بليغا، لكل حر تراوده نفسه الكريمة التحرر من ربقة آل الأسد وزبانيتهم.

بعد أن طُويت الجريمة، وحُبست في درج الكتمان عشرات السنوات، جاءت ثورة الحرية لتكسر سجنها، وتنشر قصتها، محاولة أن تعيد جزءا من حق الضحايا علينا، على الأقل أدنى حق لهم وهو حق الاعتراف ببشريتهم ومظلوميتهم، وعدم تحولهم لأرقام منسية، وخانات فارغة في دائرة النفوس.

لن أسرد تفاصيل المجزرة لأسباب كثيرة، لعل أهمها هو حجم المأساة المخرس لأفصح الألسنة، والملجم لأسيل الأقلام، فاليوم فقط حين أردت أن أكتب عن جرحنا الحموي، أحسست بما أحس به المؤرخ ابن الأثير يوم ترك التأريخ لحادثة اجتياح المغول بلاد الإسلام سنوات عديدة من ألم المصاب، ومن أراد تفاصيل عن الحادثة ليراجع كتاب الصراع على السلطة في سوريا للكاتب الهولندي نيكولاس فاندام، أو كتاب التجربة الجهادية في سوريا للشيخ أبي مصعب السوري.

ما يهمني في مأساة حماة هو بعض الدروس المستفادة، والحوادث المتشابهة، التي يخشى أن تعطي نفس النتائج لا سمح الله.

من يطالع تاريخ حقبة المجزرة يلاحظ أمور مشابهة لما يحدث اليوم، فكما كانت  بالأمس المعارضة السورية ضد الأسد الأب مشتتة، هي اليوم مشتتة أيضا ضد ابنه، وكما اعتمد الأسد الأب على خونة السنة من مشايخ، وتجار، وصناعيين، وضباط، اعتمد الابن أيضا عليهم، طبعا مع جعلهم في الصفوف المتدنية، لأن الأماكن الرفيعة تبقى للخلّص من النصيرية.

لم يبدأ حافظ الأسد بمجزرة حماة إلا بعد الإمساك بالمدينة المهمة ألا وهي حلب، فبعد حالة الثورة والإضراب والعمليات الأمنية ضد النظام التي شهدتها حلب، تم تطويقها واجتياحها من قبل الفرقة الثالثة بقيادة المجرم المدعو شفيق فياض، ومن تبقى من المجاهدين تم تجميعهم في حماة لتصفيتهم هناك.

اليوم بعد سقوط حلب تم تفريغ العديد من المناطق، وتجميع المجاهدين في إدلب الأقل أهمية استراتيجيا تمهيدا لمجزرة مماثلة.

في الثورتين نجد التواطؤ الدولي نفسه مع النظام المجرم ضد الشعب، مع رضا ودعم أميركي وروسي مشترك، وفي الثورتين يبرز الدور الفاشل للجماعات المتأسلمة والذي يرقى لمستوى الخيانة، سابقا كانوا الإخوان المسلمين، واليوم السلفية الجهادية.

في ذروة مجزرة حماة كانت تخرج مجلة النذير التابعة للإخوان المسلمين _ محيسني ذلك الوقت _ لتبث أخبار من قبيل أبشروا وبشراكم والفتوحات والانتصارات، في وقت كانت دماء الأبرياء والعذارى تسيل أنهارا.

في مجزرة حماة لتقوم القيادات الفاشلة والعميلة بامتصاص غضب الشباب ومنعهم من اتخاذ موقف ينقذ الوضع، قامت بمسرحية عنوانها ما يسمى نفير بغداد ونفير عمان، حيث حجزت ألف شاب مجاهد في المعسكرات بحجة الإعداد لساعة الصفر، وقرأت عليهم صباح مساء أخبار الانتصارات الكاذبة، ثم حين أعلن حافظ الأسد انتهاء المجزرة، صارحت قيادات الذل والفشل قواعدها المٌضَلَلَة بالحقيقة المرة، لتأتي الصدمة بعد فوات الأوان قاصمة لظهر الشباب.

اليوم تقوم نفس القيادات العميلة بامتصاص غضب الشباب وتخديرهم عن واجب الوقت، بكلمات عاطفية، وتبريرات ترقيعية، وحركات مسرحية، حتى يكونوا مخدرين تماما حين تصل سكين النظام لأعناقهم، فلا يحسوا إلا حين يرون دم وريدهم ينزف.

علمت قيادات انتفاضة الثمانينات بكامل مخطط النظام لمدينة حماة قبل ست أشهر من المجزرة عبر تنظيم الضباط الأحرار في الجيش السوري، والذي كُشف لاحقا وتمت تصفية أبطاله من قبل النظام ( أكثر من 400 ضابط من خيرة ضباط سوريا ) وأصابع الاتهام تشير لدور بعض القيادات العميلة لجماعة الإخوان المسلمين.

اليوم ما يجري أكثر وقاحة وفظاظة، فالكل يعرف ما يحاك لإدلب من سنة، والكل رأى دور التنظيمات العميلة ( على رأسها هتش ) في تسليم المحرر بعد ضرب الأحرار من الجيش الحر واعتقالهم وتغييبهم نيابة عن النظام المجرم،  ولا ننسى أن هذه التنظيمات العميلة تشكلت بذريعة حماية ما تبقى بأيدينا من مصير مشابه لمصير حلب، وكانت إرهاصات ولادتها المشؤومة هو تفكيك الفصائل الثورية المقاتلة بحجة تخاذلها بالدفاع عن المحرر، والحمد لله أن رأى كل ذي عقل سليم من كان يدافع فعلا عن المحرر، ومن اليوم يسلمه للنظام، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.


لكن بعد هذه التشابهات، يبقى سؤال معلق، ما العمل حتى لا تكون إدلب حماة جديدة؟


أولا فضح شركاء النظام، ومخابراته خلف خطوطنا ( هتش ) ، وتوعية الشعب لما يحاك له.

ثانيا عدم الركون لهذا التنظيم الخبيث وقياداته العميلة، ومحاولة سحب من تبقى من المغرر بهم بداخله.

ثالثا إعلان الثورة ضد مخابرات النظام في المحرر ( تنظيم هتش ) ومهاجمة معتقلاته وسجونه، وعلى رأسها تدمر المحرر ما يسمى بسجن العقاب، وغيره من المعتقلات التي يقبع بها الأحرار من القادرين على وقف مخطط التسليم.

رابعا تشكيل جيش ثوري شعبي من المدنيين والفصائل الشريفة، ويرأس هذا الجيش قائد واحد مدعوم بمجلس شورى، ويكون الجميع ممن يرضاهم الناس دينا وقوة.

خامسا عدم ترك للنظام فرصة الاستفراد بإدلب ضمن ما يخططه، بل العمل على إرباك مخطط النظام وعرقلته بالانتقالة من خانة رد الفعل، إلى خانة الفعل.

وأحذر أهلي في إدلب من عمليات فوضى مقصودة يقف خلفها زبانية الجولاني، وأذكرهم أن كل ما يغتنم من هتش هو حق عام للمجاهدين، ولا يجوز استعماله إلا في رد صائل النظام النصيري، فلا ننجر خلف كل غوغائي وناعق، يتمنى الفوضى والتفلت ليصطاد بالماء العكر، والأهم أن هناك أفعى خبيثة ترقد في وكرها تنتظر الوقت المناسب لتلدغنا وهي بقية جند الأفعى البائدين، وفلول الدواعش المنهزمين، وأذناب منهج التكفير المجرمين، الذين يرصون صفوفهم لإكمال مخطط أخوهم في البيت الواحد في تسليم ما تبقى من المحرر حين يأتي الوقت المناسب.


#جاد_الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق