12‏/04‏/2018

#قصة_الثورة_في_حلب 2

قلنا أنه في أواخر 2011 وبدايات 2012 حلب دخلت الثورة بقوة، ودخلت أفرع المخابرات فيها بحالة من الهستيرية والتخبط، فالمدينة كبيرة، وتعج بالسكان، والأعمال الثورية المختلفة فيها لا تنقطع.

كان الريف الحلبي كحال كل الأرياف بالثورة سباقا بالتحرر، وكلما تتحرر قرية كان شبيحتها يهربون مع عائلاتهم للمدينة، واستغل النظام ذلك في محاولة ترجيح الكفة ضمن المدينة لصالحه، ويوم أتى موعد تحرير المدينة من قبل الجيش الحر حصلت عدة أخطاء كارثية كانت بمصلحة النظام.

الخطأ الأول أن الجيش الحر توجه لداخل المدينة وترك قطعا عسكرية مهمة خارجها لم تحرر بعد، مما حول المدينة المكتظة لساحة حرب، ولّدت مأساة إنسانية مفجعة من قتل ونزوح.

الخطأ الثاني أن الجيش الحر دخل المدينة من أحيائها الفقيرة المكتظة والغير مخدمة أساسا، وصرف جهده في الاشتباك مع مخافر شرطة لا أهمية استراتيجية لها، أو بعض الشبيحة المحليين، لذلك قام النظام بخبث بترك شبيحته يقاومون في مخافر الشرطة، مع أذنابهم من المخبرين، واللجان التشبيحية للأحياء الفقيرة والمهمشة، وانسحب منها، وهي التي تشكل أكثر من ثلثي المدينة، وتمركز في القسم الغني المتبقي الذي يحوي أفرع المخابرات، ودوائر الدولة، والجامعة، وتسكنه الطبقة الثورية، وهنا بدأت الكارثة، فقد احتل النظام الأحياء الثورية الغنية، والتي تحوي أفرعه الأمنية، وثقل المدينة الإداري والاقتصادي، وحرر الثوار الأحياء التشبيحية التي تحوي حاضنة قوية، وكبيرة للنظام، ولا تملك ثقل إداري أو اقتصادي يوازي الأحياء المحتلة.

الخطأ الثالث أنه بعد التحرير وجد الثوار أنفسهم أمام ما لا يقل عن 2.5 مليون شخص في حلب المحررة يطالبونهم بالماء والكهرباء والخبز والنظافة والأمن، ولم تكن معركة الإدارة المدنية للمحرر في بال أي شخص من الثوار، فحصلت حالة من الفوضى والاضطراب، حاولت الفعاليات الثورية التخفيف منها قدر الإمكان بحلول إسعافية تنقذ ما يمكن إنقاذه.

الخطأ الرابع أنه في بداية دخول الجيش الحر ( الذي كان أغلبه من ريف حلب ) كان مثالا للخُلُق القويم والأمانة، لكن لاحقا حين رأى عناصر الجيش الحر غنى المدينة الفاحش مقارنة بريفها، وانعدام مؤسسات الرقابة والمحاسبة الثورية، وعدم تجمع أبناء المدينة في فصيل عسكري واحد يجمع شملهم، ويستلم قيادة مدينتهم، بدأ ضعاف النفوس في صفوف الجيش الحر إلى سرقة البيوت والمعامل في حلب، واختطاف المدنيين بتهمة التشبيح مع طلب فدية عليهم، مما ساهم في زيادة الشرخ في الحاضنة الثورية داخل المدينة، وجعل فئة الرماديين الذين دخلوا الثورة يرون أن النظام حل أقل سوءا من الثوار، وهكذا تعرضت شعبية الثورة والجيش الحر في حلب لهزة عنيفة فقدتا من خلالهما زخما كبيرا تحتاجانه، خاصة بعد معاناة المدنيين وإذلالهم في معبر بستان القصر بمدينة حلب من قبل بعض المحسوبين على الجيش الحر، مما أدى لتراجع شعبية الثورة وتأييدها في المدينة.

الخطأ الخامس قبول الجيش الحر لوجود الشبيحة " التائبين " في صفوفه، وقد كان هذا اجتهاد خاطئ من عبد القادر رحمه الله وكان يبرر ذلك بقوله " كلب يعوي معك أحسن من كلب يعوي عليك " ، وطبعا قام هؤلاء الشبيحة بالدور الاستخباراتي المطلوب منهم على أكمل وجه ولازلنا للآن ندفع ثمن الاجتهاد الخاطئ لعبد القادر الصالح رحمه الله، وقد كان رحمه الله مثالا للتواضع والصدق كما نحسبه، وبنفس الوقت مثالا للدروشة والبساطة.

إساآت بعض المنتسبين من الجيش الحر للمدنيين كان هدية قيمة على طبق من ذهب للتنظيمات التكفيرية السوداء على رأسها داعش، حيث استطاعت داعش عبر قتالها للفصائل المسيئة بحجة حرب المفسدين أن تحظى بشعبية كبيرة بين الثوار والمدنيين على السواء، فالمدنيون خاصة المعارضين منهم للنظام اعتبروها الخيار الأفضل، والثوار الشرفاء انخدع الكثير منهم بشعاراتها فأحجم عن قتالها وتلكأ.

استمر الوضع كذلك حتى أواخر 2013 وبدايات 2014 حين تشكل جيش المجاهدين وأعلنت الحرب على داعش داخل المدينة حتى تم طردها منها أوائل عام 2014.

في الجزء الثالث سنتطرق بإذن الله لحال المدينة من 2014 حتى معارك فك الحصار....


جاد الحق


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق